و جميل ما قاله أيضا في مقدمة ما كان مقبل عليه في كتابه،[الصفحتين 5 و 12من الكتاب] حيث اعتبره رسالة في نقد العمل الإسلامي في المغرب وليس في نقضه ..، مما أظنه لو سار عليه منهجا ومضمونا وأسلوبا لتلقاه كل المعنيين به وحتى غيرهم بالقبول الحسن ،
وجميل ما ذكره بعد ذالك وهذه المرة عن فترة رسمت بدايات المراحل الأولى لنشوء الحركة الإسلامية بالمغرب وما طبعها من روحانية عالية وصفاء وإخلاص وطموحات ..وما انتهت إليه فيما بعد من عوائق وإشكالات ..
وأعجبني ـ مع التحفظ على بعض العبارات والأساليب ـ ما في الخاتمة من نصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر رغبة في التقويم والإصلاح لمسارات الحركة الإسلامية ..
وبعد فإن بعض نصوص كتاب الأخطاء الست .. ليست سواء فمنها ما يعكس نقدا حقيقيا علميا أو فكريا تتفق مع بعضه وتناقش بعضه الآخر سواء مخالفة تترجم الاجتهاد في وجهات النظر المشروعة والتي تحقق التنوع والغنى في الأفكار والخيارات ، وفي هذا الصدد تدخل المقولات الكبرى التي استندت عليها تقريبا كل تفاصيل الكتاب وإن توسلت بأسلوب عنيف قاطع كاسح وأهمها القول :
1 ـ بأن العمل السياسي أو أن اتخاذ الحركة الإسلامية لحزب سياسي جلب عليها كثيرا من المفاسد والانحرافات الشاملة ـ حسب تقديره ـ التي تعيشها وترهن مستقبلها، ولكن يا ترى ما السبب ؟
يرى الأستاذ أن مبدأ عمل الحركة الإسلامية في هذا المجال [ من ضمن مجالات أخرى ]هو خطأ فادح جلب لها الفشل الذر يع ، لكننا نرى أن الدقة تقتضي القول أن مبدأ العمل السياسي صحيح باعتبار أن الهدف الأساس للحركة الإسلامية هو الإصلاح الشامل والمجال السياسي هو مجال من المجالات ـ وربما الأخطرـ الذي ينبغي أن يشمله الإصلاح تحقيقا لشمولية الإسلام ولخطورة التحديات التي تواجه المسلمين من خلاله وحتى لو أثبتنا أن المهمة الأساسية هي الدعوة وهذا صحيح ولكنه يعني كذلك شمولية الدعوة والتأصيل والإصلاح لكل مجالات الحياة حتى لو كانت تراتبية السياسة في التشريع الإسلامي هي الأخيرة وهي الأقل كما يحاول الأستاذ أن يثبت في كتابه [البيان الدعوي ]، لكنها رغم ذلك قد تكون الأعظم والأخطر تأثيراـ خصوصا في المرحلة الحديثة ـ على حياة المسلمين حتى العبا دية والدعوية الخالصة منها والتي يظن الأستاذ أن بالإمكان الاقتصار عليها، وهذا غير ممكن سواء بالنسبة للإسلام أو الواقع [قل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ]، إلا أن هذا لا يعني أن كثيرا مما ذكره الأستاذ الأنصاري من مظاهر بعض الانحرافات والأخطاء غير صحيح ـ مع التحفظ على الأسلوب ،
1 كالوصف بالعقارب الخضراء أو الإستصنام الشبيه بالعكوف على عجل بني إسرائيل وغيرها من المبالغات التي لا تلغي أصل وجود بعض الانحرافات في المجالات كلها إلا أن المجال السياسي عرضة لأن تتضح فيه بشكل أكبر لطبيعة الابتلاءات الواردة من خلاله ـ قد يكون في بعضه صحيحا ويحتاج إلى معالجة ولا يبعد أن يكون هناك إهمال وتراخي وانشغال غير مبرر عن التصدي لها ومعالجتها ،أما السبب في حصول كل ذلك وفي المجالات كلها وفي المجال السياسي ربما بوضوح أكبر فيرجع إلى قضايا أساسية أخرى فيما نلاحظ تتعلق بـ :
1 ـ تراجع ونقص التطوير والتركيز للتربية الروحية والأخلاقية والشرعية والاجتماعية والفكرية والعلمية والتخصصية والتأهيل للكفاءة في الممارسة بما يناسب ويكافئ الأهداف والمهمات والتحديات والتحولات المتسارعة الخطيرة والفاتنة التي يشهدها الواقع الحالي والقادم والمجال السياسي على هذا من أخطرها.
2 ـ تهالك أو ضعف التماسك المؤسسي والإستراتيجي المبني على الرؤية الفكرية الإستشرافية و التخطيط والدراسات العلمية ، ومدى توفير الشروط التربوية والعلمية المتكاملة لنجاح المشاريع التي تتبناها الحركة الإسلامية .
2 ـ ضعف الوعي المتخصص والعقل الشرعي المتوازن والأفق الفكري الواسع والمهارات والخبرات بالخصوص في مجالات إدارة الاختلاف والخلاف مع الغير أو الآخر الإسلامي فضلا عن غيره بالكيفية التكاملية التي تحقق المصالح الكبرى للإصلاح والنجاح في التماسك الاجتماعي لفئات وجماعات ومدارس وتيارات الأمة ليشكل التنوع والغنى والتعدد في خيارات العمل الإصلاحي ومساراته طوق القوة والوحدة والنجاة في مواجهة المخاطر والأزمات .
إضافة إلى ذلك فإنني أخشى من جهة أخرى أن يكون الأستاذ الأنصاري قد وقع فيما كرس كتابه للنهي عنه وذلك فيما يلي :
1
ـ استصنام التعصب لفكرة نبذ مبدأ العمل السياسي والتوجس خيفة منه وهي فكرة قديمة اعتنقها الأستاذ الأنصاري وإخوانه منذ أيام الرابطة وهو لا يرى أو لا يريد أن يرى مبدئيا في الماضي والحاضر والمستقبل إلا ما يصدقها مما أسهب في الحديث عنه في كتابه.
2
ـ استصنام التعصب لتبرئة الرابطة ومن كان ينتمي إليها وأصبح بحكم الوحدة في ظل حركة التوحيد والإصلاح ،وإدانة غيرهم ممن كان ينتمي سابقا لحركة التجديد والإصلاح ؟، ولو دقق نظر النزاهة والإنصاف والعدل لوجدهم سواء الصالحون أو من نظنهم غفر الله لنا ولهم طالحون ويمارسون ربما بحسن نية ما أسميه [المؤامرة في سبيل الله] على إخوانهم وما يصحبها ربما أحيانا بلا شعور من أخلاقيات فاسدة في ميزان الإسلام، هؤلاء موجودون كما يراه القريبون من المشهد الحركي من الفئتين على السواء وإن اختلفت الأشكال والأساليب وبعض الأفكار{ المستصنمون} بها أو لها ، ولازال البعض ممن تسمح [الحركة] لهم بذلك إهمالا أو سوء إدارة أو تقصيرا في النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمارسونها بإخلاص وتفان إلى يوم الناس هذا.
هل حكم الأستاذ المائل لصالح إخوانه ذوي الأصول {الرابطية}ـ إذن ـ هو من باب :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
وعين السخط تبدي المساوئا؟.
ولقد كان الدكتور عبد العلي المسئول في
رده على الكتاب في مقال بموقع الشهاب موفقا حينما قال :
[ الأستاذ الجليل، إنني بكلامي هذا أردت النصح لا التشهير ولا الازدراء، أحببت أن يمنح الأستاذ الأمل للناس لا أن يزرع اليأس فيهم وينفرهم من الحركات الإسلامية، وليت البديل عن هذه الحركات يوجد في مستواها أو أحسن منها، إنني كلي أمل أن يراجع الدكتور نفسه، ويتحفنا بمؤلف يجمع ولا يفرق، يجاهد به "جهاد الكلمة والحجة"، كلمة تغرس "الرجاء في رحمة الله رغم البلاء المحيط بالأمة شعوبا وأفرادا"، بغية توعية الناس، وإيقاظ الأمة، وتغيير النخب"، وستفرح يومئذ بما خطته يمينك، وتجعلها كلمة باقية في عقبك، وقديما قيل: فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه ]
[وأزعم أن الشيخ الدكتور لا يرضى بصحبة ولا اصطحاب السفهاء فينحط قدرا من علاه ويحقر، بل ولا أن يتداول "مصطلحاتهم"، وقد نفى عن نفسه ذلك في صفحة 99، ومع هذا فالكتاب حشي شتائم وذكرا للمعايب والمثالب، ونعد ذلك من زلات العالم التي ينبغي ألا يقلَّد فيها، بل تضرب بعرض الحائط، وددت أنها تطوى ولا تروى، بيد أن كتابه هذا سارت به الركبان، وسواء أطويت أم رويت فالأمران سيان]. [يتبع]